ضريبة صناع المحتوى .. سيف ذو حدين أم ضروة اقتصادية؟
أثار مشروع قانون المالية لسنة 2025 جدلاً واسعاً حول التدابير الجبائية التي حملتها المادة 70 مكرر، والتي استحدثت ضريبة على ما سُمّي بـ”الدخول والمكاسب الأخرى”.
و تأتي هذه الإجراءات في إطار جهود الحكومة لتوسيع الوعاء الضريبي ومواكبة التطورات الاقتصادية، إلا أنها لاقت ردود فعل متباينة من الخبراء والمحللين.
تنص المادة 70 مكرر على إخضاع “الدخول والمكاسب المتأتية من عمليات هادفة للحصول على ربح” للضريبة، حتى إن لم تكن هذه الدخول مُدرجة في التصنيفات التقليدية المنصوص عليها في المادة 22 من القانون المالي.
و تشمل هذه المداخيل، وفقاً لتفسير الخبراء، أرباح صناع المحتوى الرقمي و”المؤثرين” على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين حققوا مداخيل كبيرة من الإعلانات والشراكات مع العلامات التجارية.
كما تُضاف إلى قائمة المداخيل الواجب تضريبها مكاسب ألعاب الحظ النقدية، إضافة إلى الدخول المُكتشفة خلال فحص الوضعية الضريبية للأفراد.
يعتبر هذا التوجه جزءاً من سياسة تهدف إلى تقنين الأنشطة الرقمية وإدخالها ضمن النظام الضريبي الوطني. وفقاً لنبيل رفاعي، خبير محاسب ومستشار ضريبي، فإن هذه الخطوة تأتي استجابة للنمو الكبير في الاقتصاد الرقمي، والذي غالباً ما تفلت أرباحه من الرقابة الضريبية.
و تواجه الحكومة تحديات كبيرة في تطبيق هذه الإجراءات، حيث إن طبيعة الاقتصاد الرقمي العابر للحدود قد تجعل من الصعب تتبع المعاملات أو مداخيل صناع المحتوى.
و اقترح خبراء تعزيز التعاون مع المنصات الرقمية الكبرى للحصول على بيانات حول المعاملات المالية للمستخدمين المغاربة.
ومع ذلك، تثير هذه المقترحات مخاوف بشأن حماية الخصوصية والبيانات الشخصية. وأوضح منير المستاري، خبير في القوانين الضريبية، أن أي تعاون بين السلطات والمنصات الرقمية يجب أن يتم ضمن إطار قانوني صارم يضمن حماية المعلومات الشخصية للمستخدمين.
و رغم أهمية هذا الإجراء في تعزيز موارد الدولة، فإن العديد من الخبراء يحذرون من آثاره العكسية. تعتمد القاعدة الاقتصادية “كثرة الضرائب تقتل الضرائب” على أن فرض المزيد من الضرائب قد يدفع بعض الأفراد والشركات إلى التحايل أو البحث عن طرق لتجنب الالتزام الضريبي.
يرى نبيل رفاعي أن نجاح هذه الإصلاحات يعتمد على تحقيق التوازن بين تعزيز الموارد المالية للدولة وضمان بيئة محفزة للابتكار والاستثمار، خاصة في القطاع الرقمي. كما شدد على أهمية توفير الدعم والتوعية للعاملين في هذا المجال لضمان فهمهم للمتطلبات الجديدة.
و لتعزيز الامتثال الضريبي، دعا الخبراء إلى تبني مقاربة شاملة تعتمد على الحوار المستمر بين السلطات ودافعي الضرائب.
كما أكدوا أهمية تطوير آليات رقابة حديثة مدعومة بالتكنولوجيا، مع وضع ضوابط قانونية تضمن الشفافية والعدالة.
في ظل الجهود الحكومية لتحقيق الاستدامة المالية، يُعتبر تضمين الأنشطة الرقمية ضمن النظام الضريبي خطوة ضرورية. ومع ذلك، فإن نجاح هذا التوجه يتطلب التزاماً مشتركاً بين الدولة ودافعي الضرائب، مع احترام المبادئ الأساسية للعدالة والخصوصية.
يمثل مشروع قانون المالية 2025 نقطة تحول نحو تكامل الاقتصاد الرقمي في الإطار الجبائي، لكن التحديات المرافقة لتطبيقه تستدعي مقاربة مدروسة. هل ستكون هذه الإصلاحات بداية عهد جديد من العدالة الضريبية، أم أنها ستثير المزيد من الانتقادات؟ الأيام القادمة ستكون كفيلة بالإجابة.